إعلام يُشعل شموع الرجاء: شهادة مسيحيّة من الأرض المقدّسة
في زمنٍ تعصف فيه الحرب والانقسام والمعاناة بالأرض المقدّسة، تأتي رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي التاسع والخمسين لوسائل التواصل الاجتماعي، الذي يُحتفل به في الأوّل من حزيران، الأحد الذي يسبق عيد العنصرة، كنداءٍ مُلحّ: تشاركوا بوداعة الرّجاء الذي في قلوبكم (1 بطرس 3، 15-16)، تتردّد كلمات البابا بمعناها الرعويّ والنّبويّ العميق، وتدعونا، نحن المسيحيين جميعًا، لا الإعلاميين فقط أن نتأمّل في سبل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. هل هي أداة للسلام، أم وقود إضافي للصراع؟
كلمة رجاء وسط ضجيج الحرب يدعونا البابا أن نكون "رُسُلًا للرّجاء"، لا من منطلق تفاؤل ساذج أو كلمات منمقة، بل برجاءٍ متجذر في يسوع المسيح، القائم من بين الأموات. ويُحذّر من تواصلٍ يشحن القلوب بالخوف والكراهية، ويُشوّه وجه الإنسان الآخر بدل أن يعكس كرامته. ويكتب: "الرّجاء مخاطرة يجب أن نسير فيها. إنّه فضيلة مخفيّة، عنيدة وصابرة". بين عمواس وغزّة: ما فنّ الاتصال الذي نتقنه؟ يتردّد سؤال البابا بقوّة في أرضٍ قد تُشعل فيها صورة واحدة نيران الغضب، وقد تُخفّف فيها كلمة واحدة عن قلبٍ مكسور: "ما فنّ الاتصال الذي نتقنه؟" يُشبّه البابا عمل الإعلامي المسيحي بمن يُنقّب عن الذهب بين ذرات الرمل. في أرضٍ تسكنها الحكايات الموجعة، يُطلب من الإعلاميين أن يرووا قصص الرجاء لا لتجميل الواقع، بل للكشف عن جمالٍ يتغلغل في الظلمة. يشير البابا فرنسيس إلى ثلاث سمات أساسيّة للتواصل المسيحي، مستوحاة من رسالة بطرس الأولى: 1. الرّوح القدس: إذ يسمح لنا بأن نرجُوَ على غير رجاءٍ أيضًا، وأن نرى فُتات الخير المخفيّ حتّى عندما يبدو أنّ كلّ شيء قد ضاع. 2. أن نكون مستعدّين دائمًا لنقدّم برهانًا واضحًا على الرجاء الذي يسكن في قلوبنا. 3. علينا أن نتكلّم بوداعة ووقار، لا بعدوانيّة أو خوف. يدعونا البابا لنتعلّم من يسوع نفسه، الذي مشى مع تلميذَي عمواس، أصغى أولًا لهما، ثم شرح لهما الكُتب، وأضرم قلبيهما من جديد. هكذا هو الإعلام المسيحي: يسير، يُصغي، ويوقظ الرجاء لا بالضجيج، بل بحضور هادئ ورحيم. يدعونا البابا إلى أن نروي قصصًا تُبرز الجمال والرجاء في عالم يرهقه الشرّ؛ قصصًا تُلهم الالتزام، وتوقظ روح التعاطف، وتنمّي حس العناية بالآخرين. من القلب: تواصل يشفي الجراح يطمح البابا لإعلام يجعلنا "رفقاء درب"، نسير معًا في أزمنة المحنة، ونزرع الرجاء المتجذّر في الرحمة، لا في الخوف أو الغضب. هذا التواصل، في زمن الحرب والانقسام، هو فعل نبويّ: يقرِّب القلوب، ويكشف عن الخير الخفيّ وسط الألم، ويعزّز الوحدة بدلًا من الانقسام. هذا النوع من التواصل يرفض اختزال البشر في شعارات أو أيديولوجيّات، بل يعانق إنسانيتهم، ويُروّج للجمال والشراكة. إنّه تواصل لا تحرّكه ردود الفعل الغريزيّة، بل تقوده المحبّة، فتتحوّل الكلمة إلى أداة شفاء. مسيحيّو الأرض المقدّسة: كونوا شهودًا للرّجاء إلى الإكليروس والشباب، إلى الإعلاميّين والأهل والطلّاب في الأرض المقدّسة: صوتُكم مُهمّ. في أرضٍ تتردّد فيها الكلمات في القلوب الجريحة، اختاروا المحبّة. في منطقةٍ كثيرًا ما تسودها مشاعر اليأس، تحدّثوا بلغة الرجاء. وفي عالمٍ مغرم بالفوضوية والعدوانيّة، تجرّؤوا أن تكونوا ودعاء. لنكن شهوداً للرجاء، نُذكّر العالم أنّه حتّى في الظلمة، يسير المسيح معنا، وأنّ كلماتنا يمكن أن تصبح أدوات لسلامه فنعمل على نقل هذا الرجاء، بأمانة وشجاعة وحنان، من قلب الأرض المقدّسة إلى أقاصي الأرض. |